طوال أكثر من 10 سنوات عانت شمال سيناء من التنظيمات الارهابية التي حاولت فرض سيطرتها عليها، وخاض الجيش والشرطة حربا ضروسا ضد تلك التنظيمات، حتى أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في عيد الشرطة في بداية العام قبل الماضي القضاء على الإرهاب في شمال سيناء وبنسبة 100 بالمائة.
هذا الجزء العزيز من أرض مصر حيث تكونت صورة ذهنية خلابة عن أرض الفيروز لدى الرأي العام المحلي والعالمي، صورة في غاية الجمال عن واقع وتاريخ وتراث هذه الأرض الغنية بالمقومات السياحية والثقافية والتراثية والتاريخية، فمن العريش وحدود مصر الشرقية بدأت رحلة العائلة المقدسة الى مصر وهي قصة هروب السيدة العذراء والطفل (السيد المسيح) ويوسف النجار من بطش الملك هيرودس، وسارت في دلتا النيل (سخا، تل بسطا، سمنود)، ثم اتجهت إلى صعيد مصر (وادي النطرون، دير المحرق، جبل درنكة) ومكثت لفترات طويلة، تاركة آثارًا ومعجزات تُوثقها الأديرة والكنائس، مما جعلها مسارًا سياحيًا دينيًا عالميًا في مصر.
شواطئ ممتدة وطبيعة خلابة ومحميات طبيعية وآثار ومسارات دينية وتراث سيناوي فريد، كلها مقومات تجعل من شمال سيناء وجهة مميزة للسياحة الثقافية والتاريخية والبيئية، وامتدت أيادي البناء والعمران وفي أقل من 3 سنوات دبت الحياة في ميناء ومطار العريش وبحيرة البردويل بعد التوسعات وعادت خطوط السكك الحديدية مرة آخرى، والبدء في زراعة نصف مليون فدان.
شمال سيناء هي «الحصن الشرقي» لمصر وتمتلك شاطئا طوله حوالي 260 كيلومتر يمتد من رفح وحتى شرق بورسعيد يمكن أن يكون من أطول شواطئ العالم المتصلة ومساحتها تتجاوز 27 ألف كيلومتر مربع ويقدر سكانها بحوالي نصف مليون نسمة .
المحافظة بمقوماتها المتنوعة تحتاج الى جهود ضخمة لتغيير الصورة الذهنية التي ارتبطت بها طوال السنوات العشر الماضية بضخ استثمارات في مجالات التنمية الزراعية والاسكان والصناعة والفنادق والقرى السياحية والسياحة التاريخية والتراثية والبيئية والدينية و اقامة المهرجانات الكبرى في مدن المحافظة وتنظيم الأنشطة والمسابقات الرياضية في مدن المحافظة وخاصة مدينة العريش وعودة الرحلات السياحية لطلاب المدارس والجامعات الى المحافظة.
واقترحت سابقا بضرورة وجود أحد أندية المحافظة مثل نادي النجمة أو نادي النصر أو اتحاد شمال سيناء في دوري الدرجة الأولى مع فرق الأهلي والزمالك والاسماعيلي والمصري وبراميدز مثل ما كان يحدث مع فرق الصعيد حتى وقت قريب. في خطوة لدعم النشاط الرياضي والحضور الجماهيري ووضع المحافظة على خارطة الأنشطة الرياضية في مصر .
وأسعدني منذ أيام قليلة اعلان وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو اختيار شمال شيناء عاصمة مصر الثقافية لعام 2026 في خطوة مهمة ومطلوبة لتنشيط الحراك الثقافي والفني وصناعة صورة ذهنية جديدة للمحافظة. كما قرر الوزير اختيار مدينة العريش لاستضافة الدورة السابعة والثلاثين من مؤتمر أدباء مصر يوم 26 ديسمبر الجاري.
القرار يستحق الاشادة ويأتي في إطار رؤية وزارة الثقافة لتعزيز حضور الأنشطة الثقافية والفنية في مختلف ربوع الجمهورية، ودعم الخطط الهادفة إلى تنشيط الحركة الثقافية في شمال سيناء، بما يعكس اهتمام الدولة بمدّ جسور الثقافة والإبداع إلى جميع المحافظات. كما أن اختيار مدينة العريش لاستضافة مؤتمر أدباء مصر يُجسّد مكانتها التاريخية والحضارية، ودورها في إثراء المشهد الثقافي المصري، والفعاليات لن تقتصر فقط على العريش بل ستمتد إلى مختلف مدن شمال سيناء، وستتضمن برامج متكاملة تشمل الفنون والآداب والتراث والأنشطة الموجّهة للشباب والأطفال.
اختيار شمال سيناء عاصمة الثقافة المصرية ينبغي أن يحظى باهتمام اعلامي كبير وترويج وتسويق عالمي أيضا بالتنسيق بين وزارة السياحة والثقافة والخارجية والطيران وبدء تسيير رحلات سياحية من الخارج الى مطار العريش المطور ومطار البردويل اضافة الى مطار طابا. فالمحافظة يمكنها المساهمة في دعم السياحة المصرية وجذب عدد كبير من السياح العرب والأجانب. واختيار المحافظة عاصمة الثقافة فرصة ذهبية لابراز الوجه الحضاري والتاريخي والديني والتراثي لشمال سيناء والتأكيد على مكانتها على خارطة السياحة والثقافة المصرية والعالمية.
كما أكد الوزير أن وزارة الثقافة تحرص على تقديم كامل الدعم لمؤتمر أدباء مصر، ليخرج بصورة تليق بمكانته كأحد أبرز الفعاليات الفكرية والأدبية في مصر، ولتعكس الدور الريادي للوزارة في تعزيز الثقافة والإبداع على مستوى الجمهورية. وابراز إرث العريش الثقافي والحضاري ومكانتها الثقافية. كما قررت الهيئة العامة للكتاب اهداء قصر ثقافة العريش 1000 نسخة متنوعة من أحدث إصداراتها، ضمن مبادرة تستهدف توسيع رقعة الوصول للمعرفة، وترسيخ دور الكتاب كرافعة للوعى والتنوير.
الإهداء هو واحد من سلسلة خطوات ستستمر خلال الفترة المقبلة٬ لتزويد مؤسسات الثقافة فى المحافظات بالمطبوعات الجديدة، فى إطار ضرورة وصول الدعم الثقافى إلى كل أنحاء مصر، خاصة تلك التى تحمل خصوصية جغرافية وتاريخية، مثل شمال سيناء.
تعليق